dr.alnajafi عضو نشيط
عدد الرسائل : 85 العمر : 54 تاريخ التسجيل : 18/12/2010
| موضوع: نمنم عراقي للأطلاع . الأربعاء يناير 26, 2011 3:38 am | |
| نمنـم عـراقــي
الحية والخلود. يعتقد كثير من العراقيين حتى الآن بأن الحية لا تموت. وأنها تغير جلدها بدل الموت، وأن من يريد قتلها يجب عليه أن يسحق رأسها وإلا نمت من جديد وعادت فانتقمت منه. والتقيت شاعراً هندياً في دبي سنة 1995 أكد وجود الأسطورة نفسها عن الحية في الهند. ولست أدري إن كان هناك شعوب أخرى تقول بذلك أم لا. فمن أين جاءت الأسطورة؟ جاءت الأسطورة من ملحمة الخليقة السومرية المعروفة بملحمة كلكامش. أو قلقميش كما يصر بعض دارسي الآثار على تسميتها. فقد دفع الحزن قلقميش على البحث عن سر الحياة بعد رؤية صديقه أنكيدو يموت أمام عينيه من دون أن يستطيع تقديم العون إليه. فقرر أن يبحث عن سرّ الحياة ليجنّب الأحبة الفناء. ترك ملكه وعزه وسافر وتعب وجاع وكاد يموت عدة مرات فأثار عطف الآلهة فدلّته على مكان عشبة الخلود، وحينما غطس واقتلع العشبة من قاع الهور، وخرج تعباً أدركه النعاس، فغفا. ثم استيقظ على صوت غريب، وعندما فتح عينيه شاهد الأفعى تلتهم عشبة الخلود وتهرب. ولذا أصبحت الأفعى خالدة لا تموت، وربما دعا ذلك الأطباء ليبحثوا في سمّها عن دواء يشفي من الفناء العاجل فتوصلوا إلى استخلاص ترياق من ذلك السمّ القاتل يشفي بعض الأمراض وبذلك حققوا شيئاً من معنى الأسطورة فتركوا علامتها لتدل على الدواء الشافي وعلقوه على محلات الصيدليات في جميع أنحاء العالم، ليكون شاهداً على فاعلية الأسطورة البابلية الخالد. مضى على هذه الأسطورة أكثر من سبعة آلاف عام، لكن بعض العراقيين ما زالوا متمسكين بها. فلماذا؟
فرقة أم علي البصرية |
من أبرز وأثمن الآثار السومرية في المتحف العراقي قيثارة من العاج يعلوها رأس ثور من الذهب مطعماً بالأحجار الكريمة، ولست أدري أسرق هذا الأثر بعد الاحتلال أم لا. وفي السبعينات من القرن الفارط شاهدت فرقة أم علي الشعبية الرائعة، وكنت آنئذ في البصرة، وفرقتها متكونة من مجموعة من النساء يغطين وجوههن بأقنعة أشبه بأقنعة المصارعين في الولايات المتحدة، فلا يبدو من وجه عضو الفرقة الغنائية سوى العينين وأرنبة الأنف والفم وهذا هو المهم لأن الفرقة غنائية. لكن الملاحظ أن أهم آلة عزف عند فرقة أم علي الشعبية الغنائية هي القيثارة. وعندما أمعنت النظر فيها رأيتها نسخة مشوهة عن الأصل السومري، إذ لم تكن من العاج، كما لم يكن رأس الثور من الذهب. كانت كلها من الخشب المصبوغ بألوان فاقعة زاهية. ثم وفق الله أم علي فانتقلت إلى الكويت، تفرعت من هناك إلى بضعة أفرع شملت معظم دول الخليج. وفي التسعينات رأيت في دبي فرقة شعبية عراقية ربما تكون هي فرقة أم علي أو إحدى أفرعها. ولم أفاجأ حينما رأيت القيثارة السومرية نفسها مازالت أبرز آلات أم علي الموسيقية. فكيف واصلت الفرق الشعبية العراقية إبقاء آلة موسيقية مستعملة مدة سبعة آلاف سنة بينما تخلت الفرق الموسيقية المحلية الرسمية عن تلك الآلة، ونبذتها، ولم تعترف بها قط؟ فاحترمها الغربيون واقتبسوها وطوّروها وجعلوا منها أحجاما عدة كالكيتار والهارب وو. ودربوا الكثير على العزف بها فبرح بها خبراء موسيقيون فيها يشار إليه بالبنان. لم أستطيع أن أجد أي تفسير لهذا السلوك العدواني لرمز من رموز حضارتنا القديم.
أكو ما كـو: نستعمل في العربية الفصحى يوجد ولا يوجد. موجود وغير موجود. ويستعمل أهل الشام بأقطاره كلها ودول الخليج: في. وما في. أما المصريون فيستعملون: في وما فيش وتستعمل شعوب المغرب العربي: كاين وماكاينش. في العراق نشأت أهم الدراسات العربية، والعلوم العربية، والنحو العربي، والقواميس والمعاجم العربية وأوزان الشعر العربي كما يعرفه الجميع، لكن الشعب العراقي لا يستعمل لفظتين عربيتين كباقي الشعوب العربية بل لفظتين سومريتين كقول طـه باقـر: هما أكو وما كو. ويقول إبراهيم السامرائي: إنهما أكديتين. أما الجيل اللاحق من علماء الآثار فيقول: أكو سومرية. وما عربية. وبهذا صور يزاوجون بين اللغتين.. إن أهم سؤال يطرح نفسه لماذا أبقى العراقيون على هذه اللفظة ولِمَ لم يغيروها كباقي أشقائهم في الدول العربية بالرغم من أنهم يفهمون الكلمات: موجود وغير موجود، وفي وما في وو؟
الرز: تستعمل الشعوب العربية كلها كلمة الرز للدلالة على الحبوب التي نعرفها ونطبخها ونأكلها بشكل مستمر، وانتقلت الكلمة إلى معظم لغات العالم. لكن العراقيين وحدهم من دون الشعوب العربية كلها يستعملون كلمة التمـَّن للدلالة على الرز. فمن أين جاءت؟ وفي أول مربد عقـد في العراق في بداية السبعينات التقيت العلامة جلال الحنفي (توفي قبل أيام عن نيّف وتسعين عاماً)1 وسألته بضعة أسئلة منها عن الطيور التي تحوم فوق دجلة فقد كان الكتاب يطلقون عليها بضعة أسماء مختلفة كطيور الماء فقال إنها النوارس وسألته وعن كلمة تمن. فقال إنها صينية. وكان المرحوم عبد الكريم قاسم أرسله ليكون أول أستاذ للغة العربية في جامعة صينية بعد ثورة 14 تموز. ثم غضبت عليه السلطة بعد 1963 فاستقدمته قبل أن يكمل مشروعه المهم أول قاموس عربي صيني عربي. وعندما استشارته الصين في أن يرسل بديلاً عنه بعد نحو عشرين سنة رشح المرحوم هادي العلوي مكانه. ثم أكدّ العلوي هذا الشيء في أحد كتبه.. ومن هذين الاثنين علمت أن كلمة التمـَّن هي صينية، وربما يكون الصينيون هم الذي أدخلوا الرز اللذيذ إلى المطبخ العراقي فأراد العراقيون مكافأتهم على تلك الوجبة اللذيذة فاحتفظوا باللفظة الصينية إلى حد الآن. بعدئذ ردّ الصينيون المكافأة إلى العراقيين بأحسن منها فقالوا: كل العالم عميانٌ إلا العراقيين فهم عورٌ. وهذا المثل ليس حديثاً وإنما يعود إلى أربعة آلاف سنة حيث كان في المنطقة التي تسمى الآن بحر النجف خليج كبير كانت السفن الصينية الخشبية ترسو فيه وتنزل بضائعها لتتوزع في المنطقة كلها. ويبدو أن العلاقات الصينية العربية توطدت زمن الحكم العباسي، وحسبما يقول هادي العلوي إن السجل الإمبراطوري الصيني يذكر بالتفصيل طلب أحد أباطرة الصين الذي عزل في مؤامرة داخلية نجدة من الخليفة المنصور لإعادة ملكه، فأختار المنصور ثلاثة آلاف فارس جيد التدريب وأرسلهم، وطلب من عماله تجهيزهم بخيول قوية في كل مرحلة من مراحل طريق الحرير الذي يمر من خلال إيران وأفغانستان وباكستان وشمال الهند ويصل الصين. وبالفعل مكنتهم تلك الجياد من الجري المتواصل طيلة النهار، وأوصلتهم الصين بوقت قياسي فاستطاع الإمبراطور بهم إرجاع عرشه، ثم خيرهم بين البقاء في الصين أو الرجوع فاختار معظمهم البقاء. ويبدو أن ماركو بولو التقى بعض أحفادهم في الصين وأشار إليهم. الشاي: يعدّ العراقيون الشاي بطريقة تختلف عن الآخرين، ويحبونه، ويغنون له وهناك أغنية مشهورة تمجده، وترفع من شأنه: خدري الجاي خدري. عيوني لمن أخدره.. وهي تحكي قصة حبيب يطلب من حبيبته إعداد الشاي، فيقول لها: أعدي الشاي يا عيني.. فتجيبه الحبيبة: يا عيني لمن أعدّه؟ وهناك شاعر موصلي 'ذو النون أيوب' وصفه بجملة رائعة فقال: الشاي خمر الكادحين. وكان أحد شيوخ منطقة الفرات الأوسط يحب الشاي وعندما سئل لماذا تحبه: قال أحبه لأن لونه أحمر جميل. ولأنه مذاقه حلو جميل.... ولأنه موضوع في إناء جميل. ولا أعتقد أن شعباً آخر غير العراقيين يعدّونه بطريقة فريدة مثلهم قط، ورأيت الكثير ممن زاروا العراق فبقي طعم الشاي العراقي على ألسنتهم سنواتٍ طوال. فهم لا يقدمونه 'فطيراً' خفيفاً كالسوريين واللبنانيين وأهل الخليج، ولا عميق اللون يؤكسده الغلي الطويل كالمصريين والسودانيين، بل وسطاً رائقاً صافياً مخمراً بتركه بضع دقائق قريباً من نار خفيفة جداً عند ذاك يبدو للشاي طعم رائق حبيب لا مثيل له. وربما يعده الشعب المغربي وحده على طريقة مماثلة للعراقيين لكنهم لا يتركونه مدة كافية كي يتخمر بعيداً عن النار. ولحب العراقيين الشاي احتفظوا باسمه واسم أدواته الأجنبية كلها كما وردت لهم من غير تعريب. فهو يقدم بزجاجة يطلقون عليها الإستكان. فما أصل هذه اللفظة؟ لفظة استكان تشبه لفظة التمـَّن. فكل العرب يستعملون كلمة قدح أو كأس للزجاجة التي يصّب فيها الشاي إلا العراقيين فهم يستعلمون كلمة استكان ولا يعلم معظمهم من أين أتت؟ قبل مئات السنين كان الكأس الزجاجي الصغير يصنع في روسيا، في منطقة تسمى استرا خان. وكان يتواجد في المدينة نفسها معمل للسكر يطلق عليه العراقيون 'القنـد' وعندما جاء الشاي في بداية القرن العشرين إلى العراق، استورد العراقيون السكر من استراخان لاستعماله مع الشاي، ووجدوا تلك الأقداح الزجاجية الجميلة فجلبوها هي وأطباقاً صغيرة جميلة جداً توضع فيها الإستكان مع السكر، ثم جلبوا معها من نفس المكان 'السماور' فاتخذه الأغنياء وسيلة لإعداد الشاي، أما الطبقة الوسطى، فكانت تستعمل إناءين لإعداد الشاي، واحداً لغلي الماء أبقوا لفظها الإنكليزي كما هو 'الكتلي'، والثاني لتحضير الشاي ويجب أن يكون من الفخار الصيني، ويطلقون عليه 'قوري الشاي' وهي لفظة صينية محرفة عن اسم إمبراطور صيني كانت تلك القوارير تستورد في زمانه، بينما يطلق العرب جميعهم لفظتين عربيتين على ذلك الإناء إحداهما: إبريق الشاي. والثانية براد الشاي. وهكذا نرى أن العراقيين ينظرون إلى الجاي نظرة أشبه بالتقديس، وتغيير الاسم نوع من التزييف، ولما كان المقدس لا يقبل التزييف فلذا أبقوا على الأسماء الأجنبية كما هي عليه احتراماً وتقديساً لهذا الشراب اللذيذ. (ومن نافلة القول ذكر أنهم يلفظون كلمة جاي كالصينين بالجيم لا بالشين كبقية العرب). لذلك بقي كل ما يتعلق بالجاي على اسمه العجمي: الجاي 'صينية' بدل الشاي. السماور 'روسية' الكتلي إنكليزية بدل براد. القوري صينية بدل إبريق. القند فارسية بدل سكّر. الخاشوقة. فارسية أو تركية بدل ملعقة الشاي الصغيرة. لكنهم احتفظوا بلفظة عربية واحدة من أدوات الجاي مداهنة كي لا يغضبوا لغتهم الأم 'اللغة العربية' وهي لفظة الصحن الذي يوضع فيه الإستكان، فأبقوها عربية: صحن. الكرات الزجاجية. يطلق السومريون على اللؤلؤ عيون السمك، وكانوا يظنون أن الأسماك عندما تنفُق تسقط عيونها على محار فيلتقطها ويحتفظ بها. ولقد شاهدت في الخليج العربي نوعاً من الأسماك لا يبقى من أعينها بعد الطهي إلا كرات صغيرة بيضاء أشبه باللؤلو. ويطلق العراقيون كلمة دُعبُل على عيون السمك. ثم أخذوا يطلقون على الكرات الزجاجية التي يلهو بها الأطفال في لعبهم كلمة دعبل. فهل هناك تفسير لهذا التلاقح الحضاري بين هذه الشعوب؟ هناك الكثير من الكلمات السومرية ككور تنور. وشه 'شعير' وأدبا مدرسة. ما تزال مبثوثة في التعبيرات العامية العراقية بالرغم من اندثار الحضارة السومرية قبل آلاف السنين، ومن الغريب أن اسم أحد أبواب إحدى أقدم المدن العربية في التاريخ وهي الموصل اسم سومري. هذا الاسم مازال يستعمل إلى حد الآن. ومثّبت في الوثائق الرسمية. وهو باب 'لكش' المتجه إلى جنوب العراق، بالرغم من أن لكش هذه مدينة أهملت قبل آلاف السنين، بعد موت حمورابي وطواها النسيان. ما سرّ احتفاظ العراقيين بالأسماء غير العربية؟ أمثلة أخرى: أكو طوز هوايا فوق الجرباية. ومعناها: يوجد غبار كثير فوق السرير. يضرب المرحوم فاضل عبد الحق العبارة أعلاه مثالاً على انتقاء اللهجة العراقية لألفاظ معينة لتزيين رقعة الفسيفساء التراثية. أكو سومرية يوجد طوز تركية غبار هوايا مغولية كثير فوق عربية جرباية فارسية. السرير إذا سمع أي عراقي عبارة: يوجد غبار كثير فوق السرير. يفهمها حق الفهم ولا يحتاج إلى شارح أو مترجم.. لكنه عندما يتكلم عن نفس المعنى يقول: أكو طوز هوايا فوق الجربايا. ومن يتتبع اللهجة المحلية في العراق يراها تحتفظ بألفاظ أشبه بمعادن صدئة تحتاج إلى من يحك ذلك الصدأ ليستخرج لآلئ ثقافية تاريخية مهمة، فمثلاً يطلق العراقيون على الفوضى كلمة هوسه. وهي غير عربية، لكني عرفت بعدئذ أن كلمة هوسه تطلق على إحدى أكبر القبائل الإفريقية. وقرأت عن اتفاق قديم جرى بين تجار أثرياء في زمن الدولة العباسية وبين شيوخ تلك القبيلة 'الهوسه' لتصدير عمال زراعيين، يعملون في البصرة ثم تكاثر هؤلاء حتى عُدوا مئات الألوف، ومن ثم تزعمهم شخص تدعي كتب التاريخ أنه فارسي، لكني لا أعتقد بذلك. ألحق زعيمهم هذا نسبه بالرسول وثار بهم، واحتل البصرة وخربها، ودمرها تدميراً كاملاً بحيث أنه استطاع أن يمحو معظم آثارها، وكانت تلك أعظم ثورة يقوم بها العبيد في التاريخ، واستمرت أربعة عشر سنة بالمقارنة مع ثورة سبارتكوس التي لم تدم سوى بضعة أشهر. قضى الخليفة الموفق على ثورة الزنج، لكن بعد فوات الأوان، فأصبح خراب البصرة مثلاً شائعاً في الأدب العربي. فيقال دائماً: 'بعد خراب البصرة' ما آلت إليه البصرة يعزى إلى فوضى تسببت بها قبائل الهوسه فأطلق العراقيون لفظة هوسه على كل فوضى.
| |
|