|
من الضروري أن تفهم الأم سلوكيات ونفسية طفلها وأن يُراقبن تتابع مراحل نموهم |
نكون مخطئين جداً إذا ما اعتقدنا أن السرعة التي يسير بها نمو الجسم أو تحسنه بعد الإصابة بالمرض، هي من نفس نوعية السرعة العجيبة التي تسير عليها الأحداث في العالم، والمثال على خطأ الخلط بين الأمرين، والعواقب الوخيمة لذلك، ليس هو فقط لجوء البعض إلى عملية تحزيم المعدة كحل سريع لمشكلة زيادة الوزن، بل هو أمر آخر يتعلق بنمو الطفل.
لنراجع القصة التالية المتكررة والمؤسفة، لا بد أن صادف بعضنا رؤية طفل يتلقى تعنيفاً أو ضرباً أو لطماً في الوجه، ومن أحد والديه، وأمام الناس، في أحد المتاجر أو خلال الزيارات العائلية أو في المطار أو غيره. والسبب تصرفه بطريقة غير لائقة في نظر أحد والديه، أو بطريقة "تُفشّلهما" أمام الناس.
وفي نظرهما أيضاً، أن ذلك سيُعطي لا محالة للناس الحاضرين، انطباعاً بأنهما لم يُتقنا تربية الولد أو البنت للتصرف بـ "أدب"، وعليهما آنذاك "غسل" ما انطبع في ذهن الحاضرين على حساب إحسان التعامل مع الطفل وتوجيهه برفق، والطريقة هي من النوع "عالي" الصوت و "صاخب" الحوار، أي الضرب أمام الناس.
هذه السلسلة من الأخطاء في فهم الطفل وسلوكياته ونفسيته، بل وفهم مستوى نمو قدراته العقلية والسلوكية، وفي وضع أهمية وهمية وكبيرة لما ينظر الغير به إلينا. وفي أهمية أن "نغسل" تلك النظرة، حتى لو كانت صحيحة عن أطفالنا، وفي ما يتبعها من إتباع لسلوكيات قاسية في توجيه الطفل ومعاقبته.
كل هذه الأخطاء، لا يُمكن وصفها إلا بتحلي الأم أو الأب بمزيج من الجهل بالطفل، والرعونة في أهمية تقدير الآخرين، وسوء التصرف إزاء الموقف، ودعونا نُركّز الحديث في جانب جهل الآباء أو الأمهات بالطفل. ولنترك لمتخصصين آخرين الخوض في جانب رعونة تقدير الغير على حساب أبنائنا وبناتنا، وجانب سوء التصرف كآباء أو أمهات مع أطفالنا في الأماكن العامة، أو حتى داخل المنزل.
وما حصل في الرابع من مايو الحالي في هونولولو بجزر هاواي الأميركية، هو أن ألقى الباحثون من نيويورك أحد نتائج دراساتهم حول الأطفال ضمن الفعاليات العلمية للقاء مجاميع أكاديمية الأطفال، وفيها تبين للباحثين من المركز الطبي بجامعة روشستر أن ثمة مستوى منخفض في المعرفة بأبسط الحقائق حول النمو الطبيعي للطفل لدى ثلث الأمهات، وبالذات اللواتي لديهن أطفالاً صغاراً.
ووصف الباحثون تلك النتيجة بأنها مثيرة للاستغراب والدهشة لأنها كشفت عن جهل حقيقي بمفاهيم وتصورات بدائية جداً حول ما الذي على الطفل أن يعلمه في مرحلة ما من طفولته، أو كيف عليه أن يتصرف في المواقف المختلفة.
وأعطى الباحثون أمثلة بسيطة لما تفاجئوا به، حيث وجدوا أن كثيراً منهن لا يعلمن أن الطفل الطبيعي في عمر سنة لا يُمكنه معرفة الصواب من الخطأ. ولا يعلمن أن ذاك الطفل الطبيعي قد لا يُشارك أو يتعاون مع الأطفال الآخرين في أثناء اللعب.
وسبب دهشة الباحثين أن الأمهات المشمولات بالدراسة لديهن أطفالاً صغاراً. ومن المفترض أنهن يُرقبن تتابع مراحل نموهم، ويكن بالتالي أكثر علماً بهذه الأمور من غيرهن.
وقال الباحثون إن تدني مستوى الفهم الصحيح لنمو الطفل يتسبب بمتاعب ومشاكل متنوعة، وعلى سبيل المثال، الأم التي لا تعلم أن طفلها في عمر 18 شهر قد لا يستطيع الجلوس أثناء فحص الطبيب له في العيادة، قد تُخطئ في تعاملها مع طفلها حينئذ.
بينما من الطبيعي أن يكون هذا الطفل فضولي ويرغب في التجول لاستكشاف ما حوله، كما أن الأم قد تُسيء فهم هذه الروح الفضولية، وتُصنفها على أنها سلوك "تحد عن قصد" من قبل الطفل، ما يدفعها إلى التفاعل بقسوة لتحقيق انضباط في سلوكه، أو قد تحرمه من الحنان والعطف، والنتيجة تعرض الطفل لما يُعيق نموه بشكل طبيعي.
وطرح الباحثون عدة حلول، منها ما يتطلب من الأم متابعة ما يُعينها على فهم أفضل لطفلها، ومنها ما يتطلب من أطباء الأطفال بذل مزيد من الاهتمام بتفهيم الأمهات هذه الجوانب. لكنهم أكدوا على أمرين.
الأول أن الأمر يحتاج إلى عدم التسرع في استنتاج فهم معين للطفل، أو التسرع في توقع اكتمال نموه، بل يحتاج إلى إنفاق المزيد من الوقت للتواصل مع الطفل، وإنفاق المزيد من الجهد الذهني في المراقبة والمتابعة وتحليل التصرفات، والأهم عدم افتراض سوء القصد والنية والغاية، أو ما يُسمى بـ "الشيْطنة"، عند الحكم على تصرفات الطفل.
والثاني أن المشكلة أوسع، وتتعلق بنوعية الفهم لجوانب متنوعة وفي مراحل عمرية مختلفة لدى الأطفال، كسلوكيات التغذية والنوم والدراسة وإبداء الأطفال لأعراض الأمراض والصعوبات النفسية التي يواجهوها وغير ذلك.
والسؤال الذي يطرح نفسه، إن كانت الأمهات لا يفهمن أطفالهن وهم ينمو ويتطوروا أمام أعينهن، فهل حقيقة يفهمن أزواجهن أو صديقاتهن أو أقاربهن بطريقة صحيحة؟.
والحل قد يكون من نفس نوعية الحلول التي يطرحها الباحثون لفهم الطفل.