قصة قصيرة .. الوجه الاخر
بقلم ازدهار سلمان
[]اكتظت العيادة بالمرضى.. وفي حجرة الانتظار الكل يترقب دوره بصبر ممزوج بالالم.. انتابني شجن وانا اتفحص وجوههم الذابلة التي انهكها المرض.. شعرت بحاجة ماسة للهرب مما يؤلمني.. فرحت اجوب بعيني ارتقب من حولي.. ابصرتها جالسة الى جواري يحتويها المقعد الذي اعتدت ان اتخذه محلا لجلوسي كلما زرت العيادة.. ولعلها لاحظت علي تلك الدوامة التي تلفني فبادرتني بالقول:
*الانتظار حالة مملة ايا كان الهدف من ورائه..
ايدتها بايماءة خفيفة وواصلت حديثها.
*تعودت على زيارة الطبيب كلما شعرت بالالم هنا- واشارت الى جهة القلب - لعله سمة من سمات الشيخوخة التي تزحف نحوي مخترقة كل الحواجز التي حاولت ان اتفادى بها وقوعي في شراكها، ولكن عندما يحل الخريف الذي يغتال الاوراق لا تملك الشجرة الا ان تحني قامتها مذعنة صاغرة.. انها دورة الزمن ولا فرار منها.
تكتنف صوتها بحة متأسية تحمل في طياتها حزنا وعبرة لا تملكان التواري او الانطلاق.. احسست برغبة جادة في التواصل معها واقنعت نفسي بانها رغبة في قتل الوقت فمازال اسمي في ذيل القائمة.. فقلت..
انه طبيب ماهر ما رأيك به؟
ـ اظنه كذلك.. لقد راجعت اطباء كثيرين بسبب علل اصابتني ولكنه الافضل بينهم.
*وكيف..؟
ـ هناك من عالجني بضمير، ومنهم من كان ضميره بحجم فم التمساح! وسواء هذا ام ذاك لم اشعر بتجاوب يربطني بالطبيب، لانه وللاسف يعتقد بان المريض ليس سوى (حالة) شيء يمارس من خلاله العلم.. وبقدر صعوبة الحالة تكون اوامره مشددة يلقيها على المريض ومن معه ثم ينتهي كل شيء بخروج المريض من حجرة الفحص.. انني اتساءل: لماذا يقبل الشباب وباصرار على كلية الطب..؟ ان الطبيب لا يرى طوال يومه الا وجوها شاحبة علاها المرض واجساما مرهقة اضناها السقم، وانينا وشكوى وما اكثر ما يوقظونه ليلا لمعالجة مريض تكاد الحياة تتسرب منه وفي عينيه وعيون ذويه هلع وفزع وليس بعيدا ان توافيه المنية حينها.. وعليه في كل هذه الاحوال ان يكون ينبوعا لا ينضب من التشجيع..!
قلت بانفعال ظاهر..
ـ ما احوج هذا الطبيب الى الصبر والاناة.. كيف يحتمل حياة مضنية كهذه! عصرتها نوبة ألم شاقة فشعرت بضرورة الصمت لئلا يتعبها الكلام لكنها عادت لتقول:
*اعتقد بان الله اعفاهم من الاحساس المرهف رأفة بهم وبمرضاهم والا تحول العالم كله الى مرضى بلا اطباء الا ترين ذلك؟
تناهى الى سمعي صوت الممرضة وهي تنادي عليها.. تركتني وحدي مرة اخرى وعدت لا تساءل بيني وبين نفسي.
يقولون ان نصف العلاج يعتمد على الطبيب ومدى ترفقه بمرضاه واستعداده لسماع شكواهم.. فالمريض ينتظر من طبيبه ان يكون اذنا صاغية لتفاصيل مرضه وفي اعماقه يشعر بانه طوق نجاته فاذا قابل الطبيب الرغبة بنفاد صبر شعر المريض بخيبة الامل وانطوى على الامه يجترها وحيدا.. لابد له اذاً من ان يكون انسانا يتمتع بمواصفات خاصة جدا.
تنبهت الى الممرضة وهي تدعوني لملاقاة الطبيب.. كان الفضول قد انتابني فسألتها عن المرأة التي كانت تحادثني قبل قليل.. ولشد ما اثار دهشتي واستغرابي انها اكدت لي انه لم يكن بين زوار العيادة امرأة سواي، وانها لاحظت اكثر من مرة باني كنت اتحدث الى المرآة التي كانت معلقة قبالتي على الحائط!
[/b][/size]