قراءة فى كتاب الشذا الفياح في ترجمة أبي عبيدة بن الجراح
كاتب الموضوع
رسالة
رضا البطاوى عضو ماسي
عدد الرسائل : 1843 العمر : 56 تاريخ التسجيل : 11/08/2011
موضوع: قراءة فى كتاب الشذا الفياح في ترجمة أبي عبيدة بن الجراح الجمعة أغسطس 20, 2021 1:11 pm
قراءة فى كتاب الشذا الفياح في ترجمة أبي عبيدة بن الجراح المؤلف هو أبي الحسنات الدمشقي وهو يدور حول سيرة أبو عبيدة بن الجراح وفى مقدمته قال : "وبعد فهذه ترجمة مختصرة للصحابي الجليل، أمين الأمة، وفاتح الشام: أبي عبيدة عامر بن الجراح أسميتها: «الشذا الفياح في ترجمة أبي عبيدة بن الجراح » والله المستعان وعليه التكلان،، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم" وقد استهل الكتاب بنسب أبو عبيدة فقال : "ذكر اسمه ونسبه: هو عامر بن عبد الله بن الجراح بن هلال بن أهيب - ويقال: وهيب - بن ضبة بن الحارث بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان؛ أبو عبيدة القرشي الفهري، مشهور بكنيته وبالنسبة إلى جده فيقال: أبو عبيدة بن الجراح ويجتمع مع النبي (ص) في جده السابع: فهر بن مالك وأمه: أم غنم بنت جابر بن عبد بن العلاء بن عامر بن عميرة بن وديعة بن الحارث بن فهر قيل: إنها أدركت الإسلام وأسلمت أولاده: كان لأبي عبيدة من الولد يزيد وعمير، - وأمهما هند بنت جابر بن وهب بن ضباب بن حجير بن عبد بن معيص بن عامر بن لؤي - لكنهما ماتا، فليس له عقب " وهذه المعلومات عن آبائه وأمه وأولاده لا تفيد المسلم بشىء ثم تحدث عن صفته فقال : "ذكر صفته: "كان رجلا نحيفا، معروق الوجه، خفيف اللحية، طوالا، أجنأ، أثرم الثنيتين" "وكان يخضب بالحناء والكتم، وكان له عقيصتان"" وهذه الصفة لا يمكن أن تكون صفة مؤمن وهى الخضب بالحناء والكتم لكونها تغيير لخلقة الله استجابة لقوله الشيطان "ولآمرنهم فليغيرن خلق الله" وأما القول عن العقيصتان فهو يتعارض مع الروايات التى تنهى عن التشبه بالنساء ثم تحدث عن بداية إسلامه فقال : "ذكر إسلامه: كان أحد العشرة السابقين للإسلام، فعن يزيد بن رومان قال: انطلق ابن مظعون، وعبيدة بن الحارث، وعبد الرحمن بن عوف، وأبو سلمة ابن عبد الأسد، و أبو عبيدة بن الجراح، حتى أتوا رسول الله (ص) فعرض عليهم الإسلام، وأنبأهم بشرائعه، فأسلموا في ساعة واحدة، وذلك قبل دخول رسول الله (ص) دار الأرقم " لا دليل على تلك الرواية ومن الممكن تصديقها فهى ممكنة وإن كانت روايات إسلام عبد الرحمن تتعارض معها فقد أسلم على يد أبو بكر الصديق وليس على يد الرسول(ص) ثم ذكر الدمشقى بعض أخباره فقال : ذكر طرف من أخباره: أولا: في حياة المصطفى (ص): 1) هاجر من مكة إلى الحبشة الهجرة الثانية، لكنه لم يطل المقام بها 2) وهاجر إلى المدينة، ونزل على كلثوم بن الهدم، وآخى النبي (ص) بينه وبين أبي طلحة ? 3) وشهد بدرا، وجاء من خبره يومئذ أنه قتل أباه المشرك، كما جاء عن عبد الله بن شوذب قال: جعل أبو أبي عبيدة يتصدى لأبي عبيدة يوم بدر، فجعل أبو عبيدة يحيد عنه، فلما أكثر قصده أبو عبيدة فقتله، فأنزل الله عز وجل فيه هذه الآية حين قتل أباه: {لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر} 4) وأبلى يوم أحد بلاء حسنا، وثبت مع رسول الله (ص) حين فر الناس وولوا، وجاء من خبره يومئذ أنه نزع الحلقتين اللتين دخلتا من المغفر في وجنة رسول الله (ص) فعن أم المؤمنين عائشة قالت: كان أبو بكر إذا ذكر يوم أحد بكى ثم قال: ذاك كله يوم طلحة! ثم أنشأ يحدث قال: كنت أول من فاء يوم أحد، فرأيت رجلا يقاتل مع رسول الله (ص) دونه – وأراه قال: يحميه - قال: فقلت: كن طلحة! حيث فاتني ما فاتني، فقلت: يكون رجلا من قومي، أحب إلي وبيني وبين المشرق رجل لا أعرفه، وأنا أقرب إلى رسول الله (ص) منه، وهو يخطف المشي خطفا، لا أخطفه فإذا هو أبو عبيدة بن الجراح، فانتهينا إلى رسول الله (ص) وقد كسرت رباعيته، وشج في وجهه، وقد دخل في وجنته حلقتان من حلق المغفر، فقال رسول الله (ص): "عليكما صاحبكما" يريد طلحة، وقد نزف لا يلتفت إلى قوله، وذهبت لأنزع ذاك من وجهه، فقال أبو عبيدة: أقسمت عليك بحقي ما تركتني! فتركته، فكره أن يتناولهما بيده فيؤذي النبي (ص)، فأزم عليهما بفيه، فاستخرج إحدى الحلقتين، ووقعت ثنيته مع الحلقة، وذهبت لأصنع ما صنع، فقال: أقسمت عليك بحقي ما تركتني! قال: ففعل مثل ما فعل في المرة الأولى، فوقعت ثنيته الأخرى مع الحلقة، فكان أبو عبيدة من أحسن الناس هتما فأصلحنا من شأن النبي (ص)، ثم أتينا طلحة في بعض تلك الجفار، فإذا به بضع وسبعون - أو أقل أو أكثر - بين طعنة ورمية وضربة، وإذا قد قطعت أصابعه، فأصلحنا من شأنه" 5) كما أنه شهد الخندق، والمشاهد كلها مع رسول الله (ص) 6) وكان من علية أصحاب رسول الله (ص)، وقد أمره على بعض السرايا ومنها: أ- سرية ذي القصة - وهو: موضع بينه وبين المدينة أربعة وعشرون ميلا - في ربيع الآخر من السنة السادسة للهجرة: أرسله (ص) في أربعين رجلا إلى بني ثعلبة بن سعد، فساروا ليلتهم مشاة، ووافوا (ذا القصة) مع عماية الصبح، فأغاروا عليهم فأعجزوهم هربا في الجبال، وأصابوا نعما ورثة، ورجلا واحدا فأسلم، فتركه رسول الله (ص)، وخمس رسول الله (ص) الغنيمة، وقسم ما بقي على أصحابه" الرواية لا يمكن حدوثها بهذه الطريقة فالجيش سار مشيا ليلا مسافة 24 ميلا فى عشر أو اثنى عشر ساعة وهذه المسافة لا يمكن قطعها مشيا فى 12 ساعة لأنها تبلغ حوالى 46 كيلومتر بمقاييس اليوم حتى لو لم يتوقفوا مع العلم أن المجاهد يحمل على ظهره أو معه أثقالا كما أنهم فى تلك الحالة لم يتوقفوا دقيقة واحدة للراحة ومعنى هذا أنهم وصلوا مجهدين متعبين تماما بحيث لا يقدرون على القتال ثم قال: ب- سرية ذات السلاسل - وهي من مشارف الشام في بلى ونحوهم من قضاعة - في جمادى الآخرة من السنة الثامنة للهجرة حيث أمر النبي (ص) عمرو بن العاص في غزوة ذات السلاسل، فخشي عمرو؛ فبعث يستمد، فندب النبي (ص) الناس من المهاجرين الأولين، فانتدب أبو بكر وعمر في آخرين، فأمر عليهم أبا عبيدة بن الجراح مددا لعمرو بن العاص؛ فلما قدموا عليه قال: أنا أميركم! فقال المهاجرون: بل أنت أمير أصحابك، وأبو عبيدة أمير المهاجرين فقال: إنما أنتم مددي! فلما رأى ذلك أبو عبيدة - وكان حسن الخلق متبعا لأمر رسول الله (ص) وعهده - فقال: تعلم يا عمرو أن رسول الله (ص) قال لي:"إن قدمت على صاحبك فتطاوعا" وإنك إن عصيتني أطعتك، فقال له عمرو: فإني أمير عليك، إنما أنت مدد لي قال: فدونك فصلى عمرو بن العاص بالناس وعن الشعبي قال: قال المغيرة بن شعبة لأبي عبيدة: إن رسول الله (ص) أمرك علينا، وإن ابن النابغة ليس لك معه أمر - يعني: عمرو بن العاص - فقال أبو عبيدة "إن رسول الله (ص) أمرنا أن نتطاوع، وأنا أطيعه لقول رسول الله (ص) " حكاية تأمير عمرو على سرية فيها السابقون إلى الإسلام والجهاد وهو جديد الإسلام حيث أسلم فى نفس السنة كلام لا يتفق مع حنكة الرسول(ص) وخبرته فمهما كان قدراته العسكرية لا يمكن أن يكون أميرا على السابقين إلى الإسلام والجهاد فكيف أمن رجل كان منذ أربعة شهور معاديا للإسلام والمسلمين ؟ ثم قال : ج- سرية الخبط أو سيف البحر في رجب من السنة الثامنة للهجرة: عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله قال: "بعثنا رسول الله (ص) وأمر علينا أبا عبيدة؛ نتلقى عيرا لقريش وزودنا جرابا من تمر لم يجد لنا غيره، فكان أبو عبيدة يعطينا تمرة تمرة، قال: فقلت: كيف كنتم تصنعون بها؟ قال: نمصها كما يمص الصبي، ثم نشرب عليها من الماء، فتكفينا يومنا إلى الليل، وكنا نضرب بعصينا الخبط ثم نبله بالماء فنأكله قال: وانطلقنا على ساحل البحر؛ فرفع لنا على ساحل البحر كهيئة الكثيب الضخم، فأتيناه؛ فإذا هي دابة تدعى (العنبر)، قال أبو عبيدة: ميتة؟! ثم قال: بل نحن رسل رسول الله (ص) , وفي سبيل الله, وقد اضطررتم فكلوا، قال: فأقمنا عليه شهرا ونحن ثلثمئة حتى سمنا قال: ولقد رأيتنا نغترف من وقب عينه بالقلال الدهن، ونقتطع منه الفدر ، كالثور - أو كقدر الثور -فلقد أخذ منا أبو عبيدة ثلاثة عشر رجلا؛ فأقعدهم في وقب عينه، وأخذ ضلعا من أضلاعه فأقامها، ثم رحل أعظم بعير معنا فمر من تحتها، وتزودنا من لحمه وشائق ، فلما قدمنا المدينة أتينا رسول الله (ص) فذكرنا ذلك له، فقال: "هو رزق أخرجه الله لكم، فهل معكم من لحمه شيء فتطعمونا؟ "قال: فأرسلنا إلى رسول الله (ص) منه فأكله" 7) وعندما فتح رسول الله (ص) مكة في السنة الثامنة للهجرة، كان أبو عبيدة قائدا لأحد الجيوش وفي عام الوفود - وهو العام التاسع للهجرة - أرسله رسول الله (ص) مع وفد نجران ليعلمهم الإسلام فعن حذيفة بن اليمان قال: جاء العاقب والسيد صاحبا نجران إلى رسول الله (ص) يريدان أن يلاعناه قال: فقال أحدهما لصاحبه لا تفعل! فوالله لئن كان نبيا فلاعننا لا نفلح نحن ولا عقبنا من بعدنا قالا: إنا نعطيك ما سألتنا، وابعث معنا رجلا أمينا، ولا تبعث معنا إلا أمينا فقال "لأبعثن معكم رجلا أمينا، حق أمين"فاستشرف له أصحاب رسول الله (ص) وفي رواية: فجثا لها أصحاب النبي (ص) على الركب - فقال: "قم يا أبا عبيدة بن الجراح"، فلما قام قال رسول الله (ص) "هذا أمين هذه الأمة" وفي نفس العام، أرسله الرسول (ص) إلى البحرين ليأتي بجزيتها " الحكاية بالقول هذا أمين هذه الأمة لا يمكن أن تكون قد خدثت لأنها اتهام صريح ليس للصحابة وحدهم المؤمنين وإنما اتهام لصاحب الرسالة نفسه معهم بالخيانة فلا يوجد فى الأمة سوى رجل واحد هو المين والباقى خونة وهو كلام لا يمكن صدوره من النبى(ص) على الإطلاق والرواية خاطئة ثم قال : 9) وعندما قبض رسول الله (ص)، واجتمع الناس في سقيفة بني ساعدة، كان أبو عبيدة من أول من بادر إليها ففي حديث السقيفة الذي ترويه أم المؤمنين عائشة قالت: "واجتمعت الأنصار إلى سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة، فقالوا: منا أمير ومنكم أمير، فذهب إليهم أبو بكر وعمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح، فذهب عمر يتكلم، فأسكته أبو بكر، و كان عمر يقول: والله ما أردت بذلك إلا أني قد هيأت كلاما قد أعجبني، خشيت أن لا يبلغه أبو بكر، ثم تكلم أبو بكر فتكلم أبلغ الناس، فقال في كلامه: "نحن الأمراء وأنتم الوزراء"، فقال حباب بن المنذر: لا والله لا نفعل! منا أمير، ومنكم أمير، فقال أبو بكر: " لا، ولكنا الأمراء، وأنتم الوزراء، هم أوسط العرب دارا، وأعربهم أحسابا، فبايعوا عمر أو أبا عبيدة بن الجراح"، فقال عمر: بل نبايعك أنت، فأنت سيدنا وخيرنا وأحبنا إلى رسول الله (ص)، فأخذ عمر بيده فبايعه، وبايعه الناس " كل روايات السقيفة لا تصح لأنها اتهام صريح للمؤمنين الذين نسميهم الصحابة بأنهم جميعا جهلة بالدين عندما قال بعضهم منا أمير ومنك أمير وعندما قال بعضهم لكنا الأمراء وأنتم الوزراء فالكل كأنه نسى قوله تعالى " وأمرهم شورى بينهم" كما نسى أن المناصب هى حكر على المجاهدين قبل فتح مكة من المهاجرين والأنصار دون تحديد لوزير أو أمير فكلهم يستحقون المناصب بلا تحديد وهو قوله تعالى : "لا يستوى منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا" ثم قال: "ثانيا: في خلافة الصديق والفاروق: وفي خلافة الصديق والفاروق كان أبو عبيدة من كبار الصحابة ورؤوسهم، ومن المعلوم ما لأبي عبيدة من أهمية في فتح الشام؛ فإن أكثر الشام فتح على يده، ويصعب هنا ذكر تفاصيل تلك الفتوحات، ولذا؛ سأسرد أهم الأحداث والوقائع إجمالا دون تفصيل، مع الإشارة لبعض مواقف أبي عبيدة: 1) في السنة الثانية عشرة للهجرة: كان أبو بكر الصديق قد تفرغ من حرب أهل الردة وحرب مسيلمة الكذاب، فجهز أمراء الأجناد لفتح الشام: فبعث أبا عبيدة: وجعل له نيابة حمص، ويزيد بن أبي سفيان: وجعل له دمشق، وعمرو بن العاص: وجعل له فلسطين، وشرحبيل بن حسنة: وجعل له الأردن 2) وفي السنة الثالثة عشرة للهجرة: كانت أولى المعارك الفاصلة في فتح الشام: معركة أجنادين بقرب الرملة في جمادى الأولى، ونصر الله فيها المؤمنين، ثم توالت الفتوحات: فكانت وقعة مرج الصفر في جمادى الآخرة، ووقعة فحل في ذي القعدة، وهزم الله المشركين وقتل منهم مقتلة عظيمة 3) وفي السنة الرابعة عشرة للهجرة: حاصر المسلمون دمشق، وكان أبو بكر قد توفي، وقام عمر بعزل خالد وجعل أبا عبيدة أميرا على الكل، فجاءه التقليد فكتمه مدة - وكل هذا من دينه ولينه وحلمه -، وبقي الحصار لمدة ثلاثة أشهر ثم رضي الروم بالصلح، فعند ذلك أظهر أبو عبيدة التقليد ليعقد لصلحهم ففتحوا له باب الجابية صلحا، وإذا بخالد قد افتتح البلد عنوة من الباب الشرقي، فأمضى لهم أبو عبيدة الصلح، وصالحهم على أنصاف كنائسهم ومنازلهم ثم كان فتح حمص صلحا في نفس السنة 4) وفي السنة الخامسة عشرة للهجرة: كانت وقعة اليرموك وكان أبو عبيدة رأس الإسلام يومئذ، واستأصل الله فيها جيوش الروم وقتل منهم خلق عظيم 5) وفي السنة السادسة عشرة للهجرة: كان فتح بيت المقدس، وقدم أمير المؤمنين من المدينة لاستلامه وكان من خبر أبي عبيدة يومها ما رواه عروة بن الزبير قال: قدم عمر بن الخطاب الشام فتلقاه أمراء الأجناد وعظماء أهل الأرض، فقال عمر: أين أخي؟ قالوا: من؟ قال: أبو عبيدة قالوا: يأتيك الآن قال: فجاء على ناقة مخطومة بحبل فسلم عليه وسأله، ثم قال للناس: انصرفوا عنا فسار معه حتى أتى منزله فنزل عليه فلم ير في بيته إلا سيفه وترسه ورحله، فقال له عمر بن الخطاب لو اتخذت متاعا؟ قال أبو عبيدة "يا أمير المؤمنين! إن هذا سيبلغنا المقيل" 6) وفي السنة السابعة عشرة للهجرة: حصر الروم أبا عبيدة في حمص، فبعث أبو عبيدة إلى خالد؛ فقدم عليه من قنسرين، وكتب إلى عمر بذلك؛ فكتب إليه عمر: "سلام، أما بعد: فإنه ما نزل بعبد مؤمن شدة إلا جعل الله تبارك وتعالى بعدها فرجا، ولن يغلب عسر يسرين: {يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون] فكتب إليه أبو عبيدة: "سلام، أما بعد: فإن الله عز وجل يقول في كتابه: {اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو } إلى: {متاع الغرور} فخرج عمر بكتابه مكانه فقعد على المنبر فقرأه على أهل المدينة فقال: يا أهل المدينة! إنما يعرض بكم أبو عبيدة أو بي ارغبوا في الجهاد"] ثم خرج عمر بنفسه من المدينة لينصر أبا عبيدة فبلغ الجابية، وكتب عمر إلى سعد أن يندب الناس مع القعقاع بن عمرو، ويسيرهم إلى حمص، فخرج القعقاع في أربعة آلاف، ولما سمعت الروم بقدوم أمير المؤمنين عمر لينصر نائبه عليهم ضعف جانبهم جدا، وأشار خالد على أبي عبيدة بأن يبرز إليهم ليقاتلهم، ففعل، ففتح الله عليه ونصره وهزمت الروم هزيمة فظيعة، وذلك قبل ورود عمر عليهم، وقبل وصول الإمداد إليهم 7) ومن أخباره في فترة ولايته على الشام: أن عمر بن الخطاب أرسل إليه بأربعة ألاف درهم، وقال للرسول: انظر ما يصنع، فقسمها أبو عبيدة، ثم أرسل إلى معاذ بمثلها، وقال للرسول مثل ما قال، فقسمها معاذ إلا شيئا قالت له امرأته: نحتاج إليه، فلما أخبر الرسول عمر قال: "الحمد لله الذي جعل في الإسلام من يصنع هذا" " ما يمكن قوله فى تلك الأخبار هو أن كل خبر تولى فيه واحد من الطلقاء أو ممن أسلموا بعد فتح مكة كيزيد بن أبى سفيان منصب عسكرى أو غير عسكرى هو خبر عار من الصحة فلا يمكن لخليفة أن يخالف كتاب الله فى تفضيل المجاهدين قبل الفتح على من بعدهم فى المناصب ثم ذكر الدمشقى التالى: "ذكر طرف من مناقبه: عن عبد الرحمن بن عوف عن النبي (ص) قال: " أبو بكر في الجنة و عمر في الجنة و عثمان في الجنة و علي في الجنة و طلحة في الجنة و الزبير في الجنة و عبد الرحمن بن عوف في الجنة و سعد في الجنة و سعيد في الجنة و أبو عبيدة بن الجراح في الجنة " ومن أعظم مناقبه وأشرفها أن النبي (ص) وصفه بـ (أمين الأمة) كما في حديث حذيفة المتقدم وعن ابن أبي مليكة قال: سمعت عائشة وسئلت: من كان رسول الله (ص) مستخلفا لو استخلفه؟ قالت: "أبو بكر" , فقيل لها: ثم من بعد أبي بكر؟ قالت: "عمر", ثم قيل لها: من بعد عمر؟ قالت: "أبو عبيدة بن الجراح" , ثم انتهت إلى هذا وعن عبد الله بن شقيق أن عمرو بن العاص قال: يا رسول الله، أي الناس أحب إليك؟ قال:"عائشة" قال: من الرجال؟ قال: "أبوها" قال: ثم من؟ قال: " أبو عبيدة بن الجراح " وعنه قال: قلت لعائشة: أي أصحاب رسول الله (ص) كان أحب إلى رسول الله؟ قالت:" أبو بكر " قلت:ثم من؟ قالت: "عمر" قلت: ثم من؟ قال: " أبو عبيدة بن الجراح " قلت: ثم من؟ قال: فسكتت وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله (ص): "نعم الرجل أبو بكر، نعم الرجل عمر، نعم الرجل أبو عبيدة بن الجراح" وعن الحسن البصري قال: قال رسول الله (ص): "ما من أصحابي أحد إلا لو شئت لأخذت عليه في بعض خلقه، غير أبي عبيدة بن الجراح"" هذا الأخبار خاطئة أولا لأنها علم بالغيب أعلن الرسول(ص) أنه لا يعلم به فقال : " وما أدرى ما يفعل بى ولا بكم" وقال : "ولا أعلم الغيب" ثانيا أخبار الاستخلاف تدل اتهام الصحابة وهم المؤمنين بالجهل بكتاب الله فلا يوجد شىء استخلاف واحد لواحد وإنما هى شورى كما قال تعالى: "وأمرهم شورى بينهم" ثم قال : ذكر ثناء الصحابة عليه: 1) أبي بكر الصديق سبق ذكر حديث السقيفة وفيه أن أبا بكر الصديق ارتضى أبا عبيدة خليفة عندما قال: "فبايعوا عمر أو أبا عبيدة بن الجراح " 2) عمر بن الخطاب قال يوما لمن حوله: "تمنوا"، فقال: بعضهم: أتمنى لو أن هذه الدار مملوءة ذهبا فأنفقه في سبيل الله ثم قال: "تمنوا"، فقال رجل: أتمنى لو أنها مملوءة لؤلؤا أو زبرجدا أو جوهرا، فأنفقه في سبيل الله وأتصدق، ثم قال عمر: "تمنوا"، فقالوا: ما ندري يا أمير المؤمنين! قال عمر: أتمنى لو أنها مملوءة رجالا مثل أبي عبيدة بن الجراح" وقال: "إن أدركني أجلي وأبو عبيدة حي استخلفته، فإن سألني الله: لم استخلفته على أمة محمد (ص)؟ قلت: إني سمعت رسول الله (ص): يقول: "لكل نبي أمين، وأميني أبو عبيدة بن الجراح" " كما سبق القول أمانة أبو عبيدة وحده هو اتهام صريح لكل المؤمنين الآخرين بالخيانة وهى كلمة لا تخرج من فم النبى(ص) ثم قال : 3) معاذ بن جبل لما بلغه أن بعض أهل الشام استعجز أبا عبيدة أيام حصار دمشق ورجح خالد بن الوليد، غضب وقال: " فإلى أبي عبيدة تضطر المعجزة لا أبا لك! والله إنه لمن خير من على الأرض" وعندما مات أبو عبيدة خطب معاذ في الناس فقال: " إنكم أيها الناس قد فجعتم برجل والله ما أزعم أني رأيت من عباد الله عبدا قط أقل غمزا، و لا أبر صدرا، و لا أبعد غائلة، و لا أشد حبا للعاقبة، ولا أنصح للعامة منه، فترحموا عليه رحمه الله، ثم أصحروا للصلاة عليه، فوالله لا يلي عليكم مثله أبدا " 4) عبد الله بن عمرو بن العاص قال: "ثلاثة من قريش؛ أصبح الناس وجوها، وأحسنها أخلاقا وأشدها حياء، إن حدثوك لم يكذبوك، وإن حدثتهم لم يكذبوك: أبو بكر الصديق، وعثمان بن عفان، وأبوعبيدة بن الجراح" 5) عبد الله بن مسعود: قال: "أخلائي من أصحاب محمد (ص) ثلاثة: أبو بكر وعمر وأبوعبيدة بن الجراح" أقوال تزكية البعض للبعض تتنافى مع قوله تعالى : "فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى " وبعض الأقوال هنا تشعرك بأن المؤمنين الذين نعرفهم بالصحابة كانوا من الكاذبين عدا ثلاثة وهو كلامه لا يقوله مسلم ثم ذكر الدمشقى أقوال نسبت إليه فقال : "ذكر بعض أقواله: عن ثابت قال: كان أبو عبيدة أميرا على الشام، فخطب الناس فقال: "يا أيها الناس، إني امرؤ من قريش، ووالله ما منكم أحمر ولا أسود يفضلني بتقى إلا وددت أني في مسلاخه" وعن عمران بن نمران عن أبي عبيدة بن الجراح: أنه كان يسير في العسكر فيقول:"ألا رب مبيض لثيابه مدنس لدينه، ألا رب مكرم لنفسه وهو لها مهين، ادرؤا السيئات القديمات بالحسنات الحديثات، فلو أن أحدكم عمل من السيئات ما بينه وبين السماء ثم عمل حسنة؛ لعلت فوق سيئاته حتى تقهرهن" وعن قتادة قال: قال أبو عبيدة بن الجراح: "وددت أني كنت كبشا فيذبحني أهلي فيأكلون مرقي" وعن خالد بن معدان عن أبي عبيدة بن الجراح قال: "مثل قلب المؤمن مثل العصفور يتقلب كل يوم كذا وكذا مرة" " ثم تناول الدمشقى خبر طاعون عمواس فقال : "ذكر خبر طاعون عمواس ووفاة أبي عبيدة عن عبد الله بن عباس أن عمر بن الخطاب خرج إلى الشام حتى إذا كان بسرغ لقيه أمراء الأجناد: أبو عبيدة بن الجراح وأصحابه فأخبروه أن الوباء قد وقع بأرض الشام قال ابن عباس: فقال عمر: ادع لي المهاجرين الأولين فدعاهم فاستشارهم وأخبرهم أن الوباء قد وقع بالشام، فاختلفوا: فقال بعضهم: قد خرجت لأمر، ولا نرى أن ترجع عنه، وقال بعضهم: معك بقية الناس، وأصحاب رسول الله (ص)، ولا نرى أن تقدمهم على هذا الوباء فقال: ارتفعوا عني ثم قال: ادع لي الأنصار فدعوتهم، فاستشارهم، فسلكوا سبيل المهاجرين، واختلفوا كاختلافهم، فقال: ارتفعوا عني ثم قال: ادع لي من كان ها هنا من مشيخة قريش؛ من مهاجرة الفتح فدعوتهم، فلم يختلف منهم عليه رجلان، فقالوا: نرى أن ترجع بالناس ولا تقدمهم على هذا الوباء فنادى عمر في الناس: إني مصبح على ظهر فأصبحوا عليه، قال أبو عبيدة بن الجراح: أفرارا من قدر الله؟! فقال عمر: لو غيرك قالها يا أبا عبيدة! نعم، نفر من قدر الله إلى قدر الله، أرأيت لو كان لك إبل هبطت واديا له عدوتان: إحداهما خصبة والأخرى جدبة، أليس إن رعيت الخصبة رعيتها بقدر الله، وإن رعيت الجدبة رعيتها بقدر الله؟ قال: فجاء عبد الرحمن بن عوف -وكان متغيبا في بعض حاجته- فقال: إن عندي في هذا علما؛ سمعت رسول الله (ص) يقول: "إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه"قال: فحمد الله عمر، ثم انصرف وقد حاول عمر بن الخطاب أن يثني أبا عبيدة عن رأيه، ولكنه أصر على البقاء مع جنده، فعن طارق بن شهاب قال: أتانا كتاب عمر لما وقع الوباء بالشام، فكتب عمر إلى أبي عبيدة:"أنه قد عرضت لي إليك حاجة لا غنى لي بك عنها فإذا أتاك كتابي هذا فإني أعزم عليك إن أتاك ليلا أن لا تصبح حتى تركب، وإذا أتاك نهارا أن لا تمسي حتى تركب إلي"، فلما قرأ الكتاب قال: "يرحم الله أمير المؤمنين! يريد بقاء قوم ليسوا بباقين! "قال: ثم كتب إليه أبو عبيدة: "إني في جيش من جيوش المسلمين، لست أرغب بنفسي عن الذي أصابهم" فلما قرأ الكتاب استرجع- وفي رواية: بكى- فقال الناس: مات أبو عبيدة؟ قال: "لا، وكأن قد! " ثم كان كتب إليه بالعزيمة:"فاظهر من أرض الأردن فإنها عميقة وبيئة، إلى أرض الجابية فإنها نزهة ندية"، فلما أتاه الكتاب بالعزيمة، أمر مناديه فأذن في الناس بالرحيل، فلما قدم إليه- أي: إلى رحله- ليركبه؛ وضع رجله في الغرز ثنى رجله فقال: "ما أرى داءكم إلا قد أصابني" قال طارق بن شهاب: ومات أبو عبيدة ورجع الوباء عن الناس وكانت وفاته في آخر السنة الثامنة عشرة للهجرة، وعاش ثمانيا وخمسين سنة وقبره اليوم في غور البلاونة على الطريق العام الذي يقطع الغور من الشمال إلى الجنوب، وعلى بعد أربعين كيلا من مدينة السلط، شرق نهر الأردن وكان الظاهر بيبرس (المتوفى سنة 676هـ) قد بنى عليه مشهدا ووقف عليه أشياء للواردين إليه ، قال الإمام أبو زكريا النووي : "وعلى قبره من الجلالة ما هو لائق به، وقد زرته فرأيت عنده عجبا" خبر طاعون عمواس خبر خاطىء فلا يمكن أن يكون حديث الطاعون لم يسمعه من المهاجرين والأنصار ولا حتى من بعدهم ولا واحد سوى عبد الرحمن بن عوف ومن المعلوم أن الرسول(ص) بلغ الشرع للكل أو بلغه لكثير من الناس خاصة أنه كان يعلم فى مدرسة الفقهاء حتى ينذروا قومهم وعددهم كان يتجاوز الآلاف لأنه من كل قوم واحد او اثنين وفى هذا قال تعالى : "وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا فى الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون"
قراءة فى كتاب الشذا الفياح في ترجمة أبي عبيدة بن الجراح