نقد كتاب نزول سورة هل أتي
الكتاب تأليف علي الحسيني الميلاني وهو يدور حول أن سورة الدهر نزلت فى على وفاطمة وأولادهما وفى هذا قال الميلانى فى مقدمته:
"وبعد، فهذه رسالة وضعتها بتفسير آيات من سورة الدهر النازلة في أهل البيت علي ضوء روايات أهل السنة، وقد سميتها ب نزول سورة هل أتي في أهل بيت المصطفي وجعلتها في فصلين، سائلا الله تعالي أن ينفع بها عموم المؤمنين"
وقد بين الميلانى الآيات النازلة فى القوم محددا إياها بالقول التالى:
"اعلم أن والآيات المقصود بها الاستدلال في هذه السورة هي قوله تعالي «إن الأبرار يشربون من کاس کان مزاجها کافورا عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا يوفون بالنذر ويخافون يوما کان شره مستطيرا ويطعمون الطعام علي حبه مسکينا ويتيما وأسيرا إنما نطعمکم لوجه الله لا نريد منکم جزاء ولا شکورا» إلي قوله تعالي «إن هذا کان لکم جزاء وکان سعيکم مشکورا» فقد نزلت هذه الآيات في أهل بيت رسول الله (ص) أعني: عليا وفاطمة والحسن والحسين"
قبل الكلام حول الرواية أقول إن القوم ما وجدوا آية فى كتاب الله فيها مدح لمسلم إلا إلا وجعلوا هذا المسلم هو على أو فاطمة أو الحسن والحسين وهو كلام لا يتفق مع وجود مئات المسلمين أو آلافهم فى عهد النبى(ص) وهذا أسلوب لا يمكن أن يكون من العدل وإنما هو يؤسس للعائلة المقدسة وهى عائلة للأسف متواجدة فى معظم الأديان إن لم يكن كلها وهو أثر من آثار تحريف وحى الله فرسالات الله كلها نزلت لتنهى وجود العوائل المقدسة عائلات الأغنياء أو الأكابر ولتثبت النظام الإلهى "إنما المؤمنون إخوة"
يحكى الميلانى الحكاية فيقول:
"وذلک:إن الحسن والحسين مرضا، فعادهما رسول الله (ص)، فنذر علي صوم ثلاثة أيام، وکذا فاطمة الطاهرة، وخادمتهم فضة، لئن برئا؛ فبريء الحسن والحسين وليس عندهم قليل ولا کثير، فاستقرض أمير المؤمنين ثلاثة أصوع من شعير، وطحنت فاطمة منها صاعا، فخبزته خمسة أقراص، لکل واحد قرصا، وصلي علي صلاة المغرب، فلما أتي المنزل ووضع الطعام بين يديه للإفطار، أتاهم مسکين وسألهم، فأعطاه کل منهم قوته، ومکثوا يومهم وليلتهم لم يذوقوا شيئا ثم صاموا اليوم الثاني، فخبزت فاطمة صاعا آخر، فلما قدم بين أيديهم للإفطار أتاهم يتيم وسألهم القوت، فأعطاه کل واحد منهم قوته فلما کان اليوم الثالث من صومهم، وقدم الطعام للإفطار، أتاهم أسير وسألهم القوت، فأعطاه کل واحد منهم قوته ولم يذوقوا في الأيام الثلاثة سوي الماء فرآهم النبي (ص) في اليوم الرابع، وهم يرتعشون من الجوع، وفاطمة قد التصق بطنها يظهرها من شدة الجوع وغارت عيناها فقال:واغوثاه يا الله، أهل بيت محمد يموتون جوعا فهبط جبرئيل فقال: خذ ما هناک تعالي به في أهل بيتک فقال: وما آخذ يا جبرئيل؟فأقرأه: «هل أتي"
أقول:
هذا هو الخبر في شأن نزول السورة في أهل البيت، کما ذکر بعض علمائنا، والقدر المهم في وجه الاستدلال هو نزول الآيات في حقهم بسبب إطعامهم ما کان عندهم من الطعام ثلاثة أيام المسکين واليتيم والأسير، ويقاؤهم بلا طعام وهم صيام وقد اتفق الفريقان علي نزول السورة في أهل البيت فأصل الخبر موجود في کتب کلا الفريقين في التفسير والحديث والتراجم والمناقب، وإن اختلفت ألفاظ الخبر في بعضها عن البعض الآخر"
للأسف حتى لو اتفق السنة والشيعة وسائر الفرق على سبب النزول فهو يخالف الآيات المذكورة فى التالى :
الآيات تتحدث عن الأبرار وهم كل المسلمين بل أول صفحة من السورة وما بعدها تتحدث عن المسلمين وهى لا تتحدث عنهم بصيغة الماضى وأفعال على والعائلة مضت وإنما تتحدث عن المسلمين جميعا بصيغة المضارعة وهذا يعنى أن تلك الأمور تتكرر من الكل فى المواقف والأحداث المختلفة
زد على هذا لو سلمنا لنزولها فى العائلة فهذا معناه أنهم ليسوا فى الدرجة الأولى من الجنة لأن أدواتهم من فضة كما فى السورة :
" وذللت قطوفها تذليلا ويطاف عليهم بأنية من فضة وأكوابا كانت قواريرا قواريرا من فضة قدروها تقديرا"
بينما أدوات الدرجة الأولى من الذهب وهى للمجاهدين وعلى فى تاريخنا من المجاهدين ومن ثم تكون الرواية مكذوبة
الرواية فيها تناقضات هى :
-أن بيت على طبقا لحديث الخوخة أو الباب كان أمام منزل الرسول(ص)فهل قعد النبى(ص) أربعة ايام لم يتذكر ابنته وأسرتها وهم على بعد خطوات ؟
ألم يلاحظ عدم مجىء على لصلوات الجماعة ؟ ألم يلاحظ غياب أحفاده؟
-وجود خادمة اسمها فضة لعلى وفاطمة وهو كلام يتعارض مع رواية شهيرة عن أن فاطمة ذهبت للرسول(ص) وقد مجلت يداها أى فسدت من كثرة العمل حتى يعطيها خادم فلم يعطها وأمرها بالصبر
- أن الصاع تصنع منه خمس أقراص وهو كلام للضحك على المجانين فالصاع لا يصنع خمسة أقراص فقط بل يصنع عشرات الأقراص
-الأمر الأهم أنه كان لا يوجد أسرى فى المدينة وحتى بفرض وجودهم فلن يتركهم المجاهدون يذهبون ويجيئون فى المدينة على حريتهم لأنهم لو كانوا يتركونهم ليسألوا الناس لهربوا
كما ان الأسر يكون فى ميدان الحرب وبعد الحرب كان يطلق سراحهم بمقابل أو بدون مقابل ومن المعروف تاريحيا أن على وفاطمة تزوجوا فى السنة الثانية ولو أنجبت الحسن والحسين فسيكون هذا مثلا فى السنة الخامسة وهى سنة لم يكن فيها حروب لجلب أسرى للمدينة لأن غزوة الخندق لم يكن فيها قتال حتى يكون فيها أسرى لقوله تعالى " وكفى الله المؤمنين القتال"
-لو صدقنا أن الحكاية حدثت فمحال أن يكون الحسين إلا رضيعا وقتها أو حتى عنده ثلاثة سنوات والحسن خمسة والأطفال لا يعقلون معنى الأثرة خاصة الضع أو من هو قريب منهم
وبين الميلانى المعضلة وهى أن السورة مكية بينما أحداث الرواية مدنية فقال:
"فقيل:«معلوم أن سورة الدهر مکية بالاتفاق، وعلي لم يدخل بفاطمة إلا بعد غزوة بدر، وولد له الحسن في الثانية من الجهرة، والحسين في السنة الرابعة من الهجرة، بعد نزول سورة الدهر بسنين کثيرة، فقول من يقول: إنها نزلت فيهم، من الکذب الذي لا يخفي علي من له علم بنزول القرآن وأحوال آل البيت وقال القرطبي في تفسيره 19/ 182 في صدد آية: «ويطعمون الطعام علي حبه»: والصحيح أنها نزلت في جميع الأبرار، ومن فعل فعلا حسنا، فهي عامة».قال: «وقد ذکر النقاش والثعلبي والقشيري وغير واحد من المفسرين، في قصة علي وفاطمة وجاريتهما حديثا لا يصح ولا يثبت قال الحافظ ابن حجر في تخريج الکشاف: 180 رواه الثعلبي من رواية القاسم بن بهرام، عن ليث بن أبي سليم، عن مجاهد، عن ابن عباس ومن رواية الکلبي عن ابن عباس في قوله تعالي «يوفون بالنذر ويخافون يوما کان شره مستطيرا ويطعمون الطعام علي حبه مسکينا ويتيما وأسيرا» وزاد في أثنائه شعرا لعلي وفاطمة » ثم قال: «قال الحکيم الترمذي: هذا حديث مزوق مفتعل لا يروج إلا علي أحمق جاهل ورواه ابن الجوزي في الموضوعات من طريق أبي عبدالله السمرقندي، عن محمد بن کثير، عن الأصبغ بن نباتة ... فذکره بشعره وزيادة ألفاظ. ثم قال: وهذا لا نشک في وضعه».
أقول:ويتلخص هذا الکلام في کلمتين:
الأولي إن سورة الدهر مکية، نزلت قبل أن يتزوج أمير المؤمنين من الزهراء في المدينة، وقبل ولادة الحسنين، بسنين کثيرة والثانية: إن هذا الحديث مفتعل عند الحکيم الترمذي، وموضوع عند ابن الجوزي والعمدة هي الکلمة الأولي ...والأصل في هذا الکلام، هو ابن تيمية الملقب عند أتباعه ب «شيخ الإسلام»
ورغم ما قاله أهل السنة فى متن وسند الحديث إلا أن الميلانى أبى إلا أن يكمل الكلام فبين من روةى عنهم من الصحابة والتابعين ومن ورد فى كتبهم من أهل الحديث من أهل السنة فقال:
"الفصل الأول: سند الحديث ورواته:
لقد ورد حديث نزول السورة المبارکة في کثير من کتب أهل السنة المعتمدة، في مختلف العلوم، من التفسير والحديث والمناقب وتراجم الصحابة ...فمن رواته من الصحابة والتابعين، کما في کتب أهل السنة:
أمير المؤمنين.وعبدالله بن العباس.وزيد بن أرقم.وسعيد بن جبير.والأصبغ بن نباتة وقنبر مولي أميرالمؤمنين.والحسن.ومجاهد وعطاء وأبو صالح وقتادة والضحاک هذا، والخبر مشهور برواية ابن عباس، رواه عنه: سعيد بن جبير، ومجاهد، والضحاک، وأبو صالح، وعطاء ... وهؤلاء أئمة أئمة المفسرين عند القوم ومن رواته من أکابر العلماء الأعلام في مختلف القرون، نکتفي بذکر جماعة، وهم:
1 - الحسين بن الحکم الحبري الکوفي، المتوفي سنة 286، رواه في تفسيره.
2 - أبو جعفر الطبري، المتوفي سنة 310، علي ما في کفاية الطالب في مناقب علي بن أبي طالب.
3 - ابن عبدربه القرطبي المالکي، المتوفي سنة 328، في کتاب العقد حيث ورد الحديث في احتجاج المأمون، وسنذکره.
4 - سليمان بن أحمد الطبراني، المتوفي سنة 360، کما في طريق الحافظ أبي نعيم والحافظ الحسکاني.
5 - أبو عبيدالله المرزباني، المتوفي سنة 384، کما في طريق الحافظ الحسکاني.
6 - أبو عبدالله الحاکم النيسابوري المتوفي سنة 405، کما في طريق الحافظ الحسکاني، وفي کفاية الطالب: رواه في مناقب فاطمة.
7 - عبدالغني بن سعيد، المتوفي سنة 409 - والمترجم له في أغلب المصادر کما في هامش سير أعلام النبلاء 17/ 268 وقال الذهبيع: «وقد کان لعبد الغني جنازة عظيمة تحدث بها الناس، ونودي أمامها: هذا نافي الکذب عن رسول الله» - وقد رواه الحافظ الحسکاني، عن أبي نعيم، عنه ...
8 - أبو بکر ابن مردويه الأصفهاني، المتوفي سنة 410، رواه في تفسيره کما في غير واحد من الکتب کالدر المنثور.
9 - أبو نعيم الأصفهاني، المتوفي سنة 430، رواه في ما نزل في علي، وعنه غير واحد کالحافظ الحسکاني.
10 - أبو إسحاق الثعلبي، المتوفي سنة 427، رواه في تفسيره الکبير.
11 - أبو محمد الحسن بن علي الجوهري، المتوفي سنة 454، رواه عنه الحافظ الحسکاني.
12 - عبيدالله بن عبدالله الحافظ المعروف بالحکم الحسکاني، المتوفي سنة 470، رواه في کتابه شواهد التنزيل علي قواعد التفضيل.
13 - الفقيه المحدث ابن المغازلي الشافعي الواسطي، المتوفي سنة 483، رواه في کتابه مناقب علي بن أبي طالب.
14 - علي بن أحمد الواحدي، المتوفي سنة 481، رواه في تفسيره.
15 - أبو عبدالله الحميدي الحافظ، المتوفي سنة 488، رواه في فوائده کما في کفاية الطالب.
16 - الحسين بن مسعود البغوي، المتوفي سنة 516، رواه في تفسيره.
17 - جار الله محمود بن عمر الزمخشري، المتوفي سنة 638، رواه في تفسيره الکشاف.
18 - أبو الفضل محمد بن ناصر السلامي البغدادي، المتوفي سنة 550، رواه عنه ابن الجوزي.
19 - المتوفق بن أحمد الخطيب الخوارزمي المکي، المتوفي سنة 568، رواه في مناقب أمير المؤمنين.
20 - أبو موسي المديني، المتوفي سنة 581، رواه في الذيل کما في أسد الغابة وغيره.
21 - الفخر الرازي، المتوفي سنة 606، رواه في تفسيره الکبير.
22 - أبو عمرو ابن الصلاح، المتوفي سنة 643، رواه، کما في کفاية الطالب.
23 - الشيخ محمد بن طلحة الشافعي، المتوفي سنة 652، رواه في کتابه مطالب السؤول.
24 - سبط ابن الجوزي، المتوفي سنة 654، رواه في کتابه تذکرة الخواص.
25 - أبو عبدالله الکنجي الشافعي، المقتول سنة 658، رواه في کفاية الطالب في مناقب علي بن أبي طالب.
26 - نظام الدين الأعرج النيسابوري، من أعلام العلماء في القرن السابع، في تفسيره المعروف.
27 - القاضي البيضاوي، المتوفي سنة 685، في تفسيره الشهير.
28 - محب الدين الطبري المکي الشافعي، المتوفي سنة 694، رواه في الرياض النضرة.
29 - حافظ الدين النسفي، المتوفي سنة 701 أو 710، في تفسيره.
30 - أبو إسحاق الحمويني- شيخ الحافظ الذهبي- المتوفي سنة 722، رواه في کتابه فرائد المسطين.
31 - علاء الدين الخازن، المتوفي سنة 741، في تفسيره.
32 - القاضي عضد الدين الإيجي، المتوفي سنة 756، في کتابه المواقف في علم الکلام.
33 - ابن حجر العسقلاني، الحافظ، المتوفي سنة 852، في الإصابة، بترجمة فضة.
34 - جلال الدين السيوطي، المتوفي سنة 911، في تفسيره الدر المنثور.
35 - أبو السعود العمادي، المتوفي سنة 982، في تفسيره المعروف.
36 - عبدالملک العصامي، المتوفي سنة 1111، في سمط النجوم العوالي.
37 - القاضي الشوکاني، المتوفي سنة 1173، في تفسيره فتح القدير.
38 - شهاب الدين الآلوسي، المتوفي سنة 1270، في تفسيره الکبير روح المعاني."
المشكلة أن اسم الصحابى أو التابعى أو الكتاب أو كاتبه لا يهم عند تناول أى رواية فالمهم هو اتفاقها مع كتاب الله اولا وثانيا ألا يوجد تناقضات داخلية فى الرواية وثالثا ألا تتناقض مع روايات أخرى ثم ذكر روايات للحديث فقال:
"ومن نصوص الحديث بالأسانيد: ...
أما الرواية عن أمير المؤمنين ، فهي عند الحافظ القاضي الحسکاني حيث قال:«أخبرنا أحمد بن الوليد بن أحمد- بقراءتي عليه من أصله- قال: أخبرني أبي أبو العباس الواعظ، حدثنا أبو عبدالله محمد بن الفضل النحوي- ببغداد، في جانب الرصافة، إملاء سنة 331 - حدثنا الحسن بن علي بن زکريا البصري، حدثنا الهيثم بن عبدالله الرماني، قال: حدثني علي ابن موسي الرضا، حدثني أبي موسي عن أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه محمد، عن أبيه علي، عن أبيه الحسين، عن أبيه علي بن أبي طالب، قال: لما مرض الحسن والحسين عادهما رسول الله (ص) فقال لي: يا أبا الحسن لو نذرت علي ولديک لله نذرا أرجو أن ينفعهما الله به، فقلت: علي لله نذر لئن بري حبيباي من مرضهما لأصو من ثلاثة أيام، فقالت فاطمة: وعلي لله نذر لئن بري ولداي من مرضهما لأصومن ثلاثة أيام، وقالت جاريتهم فضة: وعلي لله نذر لئن بري سيداي من مرضهما لأصومن ثلاثة أيام ... » وذکر حديث إطعامهم المسکين واليتيم والأسير، قال:«فلما کان اليوم الرابع، عمد علي- والحسن والحسين يرعشان کما يرعش الفرخ- وفاطمة وفضة معهم، فلم يقدروا علي المشي من الضعف، فأتوا رسول الله، فقال: إلهي هؤلاء أهل بيتي يموتون جوعا، فارحمهم يا رب واغفر لهم، هؤلاء أهل بيتي فاحفظهم ولا تنسهم فهبط جبرئيل وقال: يا محمد! إن الله يقرأ عليک السلام ويقول: قد استجبت دعاءک فيهم، وشکرت لهم، ورضيت عنهم، واقرأ «إن الأبرار يشربون من کاس کان مزاجها کافورا- إلي قوله- إن هذا کان لکم جزاء وکان سعيکم مشکورا»»
وأما الرواية عن زيد بن أرقم، فهي عند الحافظ القاضي الحسکاني أيضا، رواها بسنده:
«عن زيد بن أرقم، قال: کان رسول الله (ص) يشد علي بطنه الحجر من الغرث، فظل يوما صائما ليس عنده شيء، فأتي بيت فاطمة، والحسن والحسين يبکيان، فقال رسول الله (ص): يا فاطمة! أطعمي ابني. فقالت: ما في البيت إلا برکة رسول الله. فألعقهما رسول الله بريقه حتي شبعا وناما واقترض لرسول الله (ص) ثلاثة أقراص من شعير، فلما أفطر وضعاها بين يديه، فجاء سائل فقال: أطعموني مما رزقکم الله فقال رسول الله (ص): يا علي! قم فأعطه. قال: فأخذت قرصا فأعطيته ثم جاء ثان، فقال رسول الله (ص): قم يا علي! فأعطه؛ فقمت فأعطيته.وبات رسول الله طاويا وبتنا طاوين، فلما أصبحنا أصبحنا مجهودين، ونزلت هذه الآية: «ويطعمون الطعام علي حبه مسکينا ويتيما وأسيرا».ثم إن الحديث بطوله اختصرته في مواضع» أما الرواية عن ابن عباس، فهي المشهورة کما ذکرنا من قبل، ومن ذلک: وما رواه الحبري: «حدثنا حسن بن حسين، قال: حدثنا حبان، عن الکلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس، في قوله:«ويطعمون الطعام علي حبه ... »: نزلت في علي بن أبي طالب أطعم عشاه وأفطر علي القراح». والواحدي: «قال عطاء: عن ابن عباس، وذلک أن علي بن أبي طالب آجر نفسه يسقي نخلا بشيء من شعير ليلة، حتي أصبح، فلما أصبح وقبض الشعير طحن ثلثه، فجعلوا منه شيئا ليأکلوه يقال له الحريرة، فلما تم إنضاجه أتي مسکين، فأخرجوا إليه الطعام، ثم عمل الثلث الثاني، فلما تم إنضاجه أتي يتيم فسألى فأطعموه، ثم عمل الثلث الباقي، فلما تم إنضاجه أتي أسير من المشرکين فسأل فأطعموه، وطووا يومهم ذلک.
وهذا قول الحسن وقتادة» وابن مردويه: «حدثني محمد بن أحمد بن سالم، حدثني إبراهيم بن أبي طالب النيسابوري، حدثني محمد بن النعمان بن شبل، حدثني يحيي بن أبي روق الهمداني، عن أبيه، عن الضحاک، عن ابن عباس ... » فذکر الحديث، وفيه نزول الآية في أهل البيت وأبو نعيم: «أخبرنا سليمان بن أحمد الطبراني، أخبرنا بکر بن سهل الدمياطي، أخبرنا عبد الغني بن سعيد، عن موسي بن عبدالرحمن، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس، في قوله تعالي «ويطعمون الطعام علي حبه» قال: وذلک أن علي بن أبي طالب آجر نفسه ليسقي نخلا بشيء من شعير ليلة، حتي أصبح وقبض الشعير طحن ثلثه، فجعلوا منه شيئا ليأکلوه يقال له الحريرة، فلما تم إنضاجه أتي مسکين فأخرجوا إليه الطعام، ثم عملا الثلث الثاني، فلما تم إنضاجه أتي يتيم، فسأل فأطعموه، ثم عملا الثلث الباقي، فلما تم إنضاجه أتي يتيم، فسأل فأطعموه، ثم عملا الثلث الباقي، فلما تم إنضاجه أتي أسير من المشرکين، فسأل فأطعموه. وطووا يومهم ذلک»
والحاکم الحسکاني .. رواه بأسانيد کثيرة «2» .. ذکرنا واحدا منها ومنها: قوله: «حدثني محمد بن أحمد بن علي الهمداني، حدثنا جعفر بن محمد العلوي، حدثنا محمد، عن محمد بن عبدالله بن عبيدالله، عن الکلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس، في قوله تعالي «ويطعمون الطعام علي حبه» قال: نزلت في علي وفاطمة، أصبحا وعندهم ثلاثة أرغفة، فأطعموا مسکينا ويتيما وأسيرا، فباتوا جياعا، فنزلت فيهم هذه الآية» ومنها: الحديث بسند آخر، سنذکره فيما بعد إن شاء الله والبغوي: «أنبأنا أحمد بن إبراهيم الخوارزمي، أنبأنا أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي، أنبأنا عبدالله بن حامد ... » إلي آخره کما سنذکره في الکلام حول أسانيد الثعلبي. وسبط ابن الجوزي: «أنبأنا أبو المجد محمد بن أبي المکارم القزويني- بدمشق سنة 642 - قال: أنبأنا أبو منصور محمد بن أسعد بن محمد العطاري، أنبأنا الحسين بن مسعود البغوي ... » إلي آخره کا تقدم. وابن المغازلي الواسطي: «أخبرنا أبو طاهر محمد بن علي بن محمد البيع، أخبرنا أبو عبدالله أحمد بن محمد بن عبدالله بن خالد الکاتب، حدثنا أحمد بن جعفر بن محمد بن سلم الختلي، حدثني عمر ابن أحمد، قال: قرأت علي أمي فاطمة بنت محمد بن شعيب بن أبي مدين الزيات، قالت: سمعت أباک أحمد بن روح يقول:حدثني موسيس بن بهلول، حدثنا محمد بن مروان، عن ليث بن أبي سليم، عن طاووس في هذه الآية «ويطعمون الطعام ... »: نزلت في علي بن أبي طالب، وذلک أنهم صاموا وفاطمة وخادمتهم، فلما کان عند الإفطار- وکانت عندهم ثلاثة أرغفة- قال: فجلسوا ليأکلوا، فأتاهم سائل فقال: أطعموني فإني مسکين، فقام علي فأعطاه رغيفه، ثم جاء سائل فقال: أطعموا اليتيم، فأعطته فاطمة الرغيف، ثم جاء سائل فقال: أطعموا الأسير، فقامت الخادمة فأعطته الرغيف.
وباتوا ليلتهم طاوين، فشکر الله لهم، فأنزل فيهم هذه الآيات»
والحمويني، رواه بأسانيد له عن عبدالله بن عبدالوهاب الخوارزمي، بسنده عن القاسم بن بهرام، عن ليث، عن مجاهد، عن ابن عباس ... بطوله، المشتمل علي الأشعار ...
وأبو عبدالله الکنجي، رواه بإسناده الآتي ذکره، عن الأصبغ، باللفظ المشتمل علي الأشعار کذلک وستأتي في غضون البحث أسانيد أخري
من کلمات العلماء حول الحديث: ... ص: 28
ثم إن غير واحد من العلماء يصرحون بشهرة هذا الخبر، وينسبون روايته إلي عموم المفسرين:
وقال القرطبي: «وقال أهل التفسير: نزلت في علي وفاطمة وجارية لهما اسمها فضة» وقال سبط ابن الجوزي «قال علماء التأويل: فيهمنزل ... » وقال الآلوسي: «والخبر مشهور».بل لم يذکر بعضهم قولا غيره، کالنسفي، قال- بعد الآيات، حتي «ولقاهم نضرة وسرورا وجزاهم بما صبروا»
-: «نزلت في علي وفاطمة وفضة جارية لهما، لما مرض الحسن والحسين نذروا صوم ثلاثة أيام، فاستقرض علي من يهودي ثلاثة أصوع من الشعير، فطحنته فاطمة کل يوم صاعا وخبزت، فآثروا بذلک ثلاث عشايا علي أنفسهم مسکينا ويتيما وأسيرا، ولم يذوقوا إلا الماء في وقت الإفطار» "
الروايات التى ذكرها فيها تناقضات عدة هى :
الأول نوعية الطعام فمرة أقراص كما فى القول "واقترض لرسول الله (ص) ثلاثة أقراص من شعير "ومرة حريرة كما فى القول" فجعلوا منه شيئا ليأکلوه يقال له الحريرة " ومرة أرغفة كما فى القول" أصبحا وعندهم ثلاثة أرغفة"والقول" وکانت عندهم ثلاثة أرغفة"
الثانى المقترض فمرات على كما فى القول " فاستقرض أمير المؤمنين ثلاثة أصوع من شعير "ومرة رسول الله(ص) كما فى القول "واقترض لرسول الله (ص) ثلاثة أقراص من شعير"
الثالث عدد الأقراص فمرة خمسة كما فى القول" فخبزته خمسة أقراص" ومرة ثلاثة كما فى القول " وکانت عندهم ثلاثة أرغفة"
الرابع التناقض بين كون الشعير قرض فى قولهم" فاستقرض أمير المؤمنين ثلاثة أصوع من شعير" وبين كونه ليس قرض وإنما أجر على عمل فى النحل كما فى قولهم" آجر نفسه يسقي نخلا بشيء من شعير ليلة، حتي أصبح، فلما أصبح وقبض الشعير"
الخامس الشىء المقترض فمرة أقراص كما بالقول" واقترض لرسول الله (ص) ثلاثة أقراص من شعير "ومرة أصوع كما فى القول " فاستقرض علي من يهودي ثلاثة أصوع من الشعير"
السادس الطاحن فمرة فاطمة هى من طحنت كما فى القول "وطحنت فاطمة منها صاعا "ومرة على من طحن كما فى القول" فلما أصبح وقبض الشعير طحن ثلثه"
السابع من أعطوا الثلاثة فمرة النبى(ص) هو من أمر على بالإعطاء كما فى القول "فقال رسول الله (ص): يا علي! قم فأعطه. قال: فأخذت قرصا فأعطيته"ومرة تبرع الخمسة من انفسهم كما فى القول" فأعطاه کل منهم قوته، ومکثوا يومهم وليلتهم لم يذوقوا شيئا"
الثامن على وفاطمة وفضة هم من نذروا من انفسهم النذر كما فى القول " فنذر علي صوم ثلاثة أيام، وکذا فاطمة الطاهرة، وخادمتهم فضة، لئن برئا "ومرة الرسول(ص) هو من امرهم بالنذر كما فى القول" لما مرض الحسن والحسين عادهما رسول الله (ص) فقال لي: يا أبا الحسن لو نذرت علي ولديک لله نذرا"
وهناك أخطاء فى الروايات كإطعام الرسول(ص) الطفلين بلعابه وهو كلام جنونى خاصة أن حالة الجوع كانت فى أول الهجرة وليس فى سنة خمسة هجرية أو بعدها
ومن كل هذه التناقضات يتبين عدم صحة الحادثة برمتها لعدم اتحاد الروايات